أرمينيا تبحث عن مقعد في محور الاعتدال العربي
بدأت الدولة الأرمينية الخارجة من هزيمة مرة في إقليم ناغورني كاراباخ أمام أذربيجان بشكل مباشر وأمام تركيا بشكل غير مباشر في السعي للتقرب من محور الاعتدال العربي المناهض لمحور تركيا.
أحدث الاتصالات بين أرمينيا ومحور الاعتدال كانت من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأرميني أرمين ساركيسيان إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي في منتصف الشهر الجاري، حيث استقبله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
سبق هذه الزيارة اتصالات من ساركيسيان بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في نهاية سبتمبر الماضي للتدخل لوقف الحرب التي كانت دائرة وقتها بين الجيشين الأرميني والأذربيجاني في إقليم ناغورني كاراباخ.
وفي ظل الهزيمة العسكرية في الإقليم، وتوقيع رئيس الوزراء الأرميني الموالي للغرب نيكول باشينيان على الاتفاق الذي جاء بتدخل بوتن لانسحاب القوات الأرمينية من أراضي أذربيجان، بدأ الجناح المناوئ لرئيس الوزراء في التحرك لكسب حلفاء جدد ليريفان التي باتت تقف وحيدة.
وحسب المصادر المطلعة والتقرير الصحفية الرسمية الصادرة من العاصمة الأرمينية يريفان فهناك توجه قوي، وقناعة تامة لدى فريق كبير من قيادات الدولة الأرمينية في عقد تحالفات استراتيجية وأمنية على مستوى عال مع دول الاعتدال العربي، الإمارات ومصر والأردن والسعودية، والتي هي نفسها تعارض التدخلات التركية في ليبيا وشرق المتوسط، مما يجعل الأرمن في خندق واحد مع العرب، وعلى أثر ذلك جاءت التحركات والاتصالات الأرمينية مع الجانب العربي سريعة.
ويدلل الخبراء في يريفان على الطابع العسكري والأمني في طبيعة العلاقة الجديدة التي تعقدها حاليا أرمينيا مع الدول العربية، باهتمام أرمينيا بالتقارب مع مصر، التي قوة عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط، ومن خلال حضور مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد خلال اللقاء الذي جمع ولي عهد أبوظبي مع الرئيس الأرميني 15 نوفمبر الجاري.
أرمينيا تبحث عن مقعد في محور الاعتدال العربي
وفي ذلك السياق يقول المحلل السياسي الأرميني كيفورك أرتان أن يريفان اليوم تشهد واحدة من أصعب فتراتها على كافة الأصعدة الامنية والعسكرية والاقتصادية، جراء الهزيمة ثم الانسحاب من الإقليم ذو التركيبة السكانية الأرمينية، في ظل مغادرة أغلب هؤلاء الى داخل حدود أرمينيا نفسها، بالتزامن مع تخلي الغرب عن تقديم أي نوع من المساعدات ليريفان ما عدا فرنسا.
ويضيف أرتان، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، وهنا كان على أرمينيا، التي خرجت في ثورة منذ عامين على نظام الحكم واستبدلته بنظام يميل لليبرالية فكريا واقتصاديا وللغرب سياسيا وعسكريا، أن تغير خريطة تحالفاتها الدولية من جديد، و”لم يكن أمام أرمينيا في تلك اللحظة الراهنة أن تتجاهل الدول العربية التي دخلت في صدام مع تركيا منذ سنوات، وفي المقدمة مصر والإمارات، بعد أن أثبتا صلابة في مواجهة مشروع التمدد التركي في شمال أفريقيا وشرق المتوسط”.
ويتابع أرتان “فلم يعد أمام أرمينيا أن تضيع مزيد من الوقت كي تنخرط في محور الاعتدال العربي، في ظل العلاقات الفرنسية القوية مع كلا الطرفين الأرميني والعربي، ورفض باريس للتمدد الطوراني العثماني في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، بعد أن أخذت فرنسا على عاتقها وقف الزحف العثماني على أوروبا كما، أوقفت الزحف الأموي عليها في الماضي”.
القوقاز على رقعة الصراع بين محور الاعتدال
وهنا يرى المحلل السياسي اليوناني جورجيو سرخيداس أن رقعة الصراع بين تركيا والمحور المناهض لمشروع إحياء الخلافة العثمانية ستتسع لتشمل منطقة القوقاز، بعد أن بات ذلك الصراع على مشارف الخروج من حدود الشرق الأوسط.
فيقول سرخيداس في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “كل من إثيوبيا والقرن الأفريقي وليبيا وسوريا وشرق المتوسط كانت ميادين مفتوحة للمواجهة بين تركيا والدول العربية التي صمدت أمام عاصفة الثورات الملونة في عام 2011، ولم تنهار أمام مشروع تتريك الدول السنية، وفقا لمخطط إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما”.
ويضيف سرخيداس واليوم صار الرئيس الأرميني يطلب صراحة توحيد الجهود والرؤى مع تلك الدول، في ظل ما تعيشه أرمينيا من أزمة داخلية طاحنة على أثر الهزيمة في كاراباخ، وعندما جاءت الاتصالات والزيارات الأرمينية للجانب العربي إيجابية، دعا الرئيس الأرميني “إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، كي ينهي حالة الجدل واللغط حول شخص رئس الوزراء نيكول باشينيان أولا، وكي يهدأ الشارع الأرميني الذي يعيش حالة غليان ثانيا، وكي يتمكن خلال تلك الانتخابات من أن يعقد خريطة تحالفات جديدة لبلاده متوازنة بين روسيا والغرب، وعلى أن تكون في نفس المحور العربي الذي يمثل عقبة رئيسية أمام طموح تركيا”.
ويتابع سرخيداس وتأتي خطوة أرمينيا على غرار خطوة اليونان التي عندما استشعرت تبجح تركيا في بحر إيجة والمياه الإقليمية لجزيرة قبرص توجهت فورا للدول العربية الفاعلة بالإقليم وعززت من علاقاتها مع مصر والإمارات والسعودية.
المصدر: سكاي نيوز عربية