الحراك وصلاحيات الرئيس… أبرز ما تضمنه دستور «الجزائر الجديدة»
يدلي الجزائريون بأصواتهم، اليوم (الأحد)، في استفتاء على دستور يُفترض أن يؤسس لـ«جزائر جديدة»، كما جاء في ديباجته، وأن يحقق مطالب الحراك. فما الجديد في الدستور الذي عرضه الرئيس عبد المجيد تبون، وصادق عليه البرلمان في سبتمبر (أيلول)؟
تعلن الديباجة الهدف من مراجعة دستور مفصل على مقاس الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقد سمح له بالبقاء في الحكم 20 سنة قبل أن يضطر للاستقالة في أبريل (نيسان) 2019 تحت ضغط الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة.
وجاء في الديباجة: «يعبّر الشعب عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلمياً الحراك الشعبي الأصيل» الذي بدأ في 22 فبراير (شباط) 2019.
وبينما اعتبرت الأحزاب الموالية للسلطة إدراج الحراك في الدستور، إلى جانب أحداث مهمة في تاريخ الجزائر من العهد النوميدي حتى حرب الاستقلال، «مكسباً» يجب تثمينه، فإن أحزاب المعارضة الرافضة للمشروع «شكلاً ومضموناً» تحذّر من أن الهدف هو دفن الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962.
كما تضمنت الديباجة لأول مرة الإشارة بشكل واضح إلى المحافظة على البيئة والنتائج السلبية للتغير المناخي. وينص الدستور الجديد على ذلك أيضاً في مواد عدة من الباب الأول حول المبادئ العامة التي تحكم الشعب الجزائري.
الجيش الجزائري موجود في العديد من فصول الدستور، لأنه «العمود الفقري للدولة»، كما قال الرئيس عبد المجيد تبون في مناسبات عدة.
لكن الجديد في دستور 2020 هو أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة أصبح في إمكان القوات المسلحة القيام بمهات خارج الحدود في بلد هو الأكبر مساحة في أفريقيا، ومحاط بمناطق نزاع كما في ليبيا (شرق) ومنطقة الساحل (جنوب).
وجاء ذلك في مواد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، «القائد الأعلى للقوات المسلحة ومسؤول الدفاع الوطني»، وهي الصفة التي يتمتع بها حالياً الرئيس تبون الذي يتولى وزارة الدفاع كما كان سلفه عبد العزيز بوتفليقة طيلة 20 سنة من الحكم.
ونصت المادة 91 في فقرتها الثانية «يقرر (رئيس الجمهورية) إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة». والغرفة الأولى هي المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) والغرفة الثانية هي مجلس الأمة (مجلس الشيوخ) الذي يعين الرئيس ثلثي أعضائه.
لكن حدّد الدستور مجالات تدخل الجيش الجزائري خارج حدوده «في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، أن تشارك في حفظ السلم».
ونصت المادة على أن الجزائر «تمتنع عن اللجوء الى الحرب» ضد الشعوب الأخرى و«تبذل جهدها لتسوية الخلافات الدّوليّة بالوسائل السّلميّة».
وأثارت هذ المادة نقاشاً واسعاً حول تغيير العقيدة العسكرية للجيش، لكنها لقيت ترحيباً في بعض الدول التي تنتظر دوراً أكبر للجيش الجزائري في مناطق النزاع في دول الجوار.
كان تقليص صلاحيات الرئيس وحماية البلد من الحكم الفردي، هو العنوان الأساسي الذي سوّق به عبد المجيد تبون التعديل الدستوري منذ الإعلان عنه في خطاب القسم في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
لكن قراءة في مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية تدل على أن هذه الصلاحيات لم تتقلص، خصوصاً فيما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة.
أما التغيير البارز فهو إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين (متصلتين أو منفصلتين) ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر، كما سبق أن فعل بوتفليقة في 2008 حتى يترشح لولاية ثالثة في 2009.
والتعديل البارز في الجهاز التنفيذي هو في إلزام رئيس الجمهورية على تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، لكن هذا الإجراء يسقط في حال فازت أغلبية موالية للرئيس.
وفي إجراء نادر في الدساتير، أصبح يقود الحكومة إما «وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية» أو «رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية»، بحسب نص المادة 103.
ويبقى رئيس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء في جميع الحالات، مع إمكانية تفويض بعض صلاحياته للحكومة.
وخصص الدستور المعدّل أكثر من ثلاثين مادة لباب الحقوق والحريات تضمنت كل ما نصت عليه المواثيق الدولية من حرية الصحافة وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد.
ومنعت مواد الدستور وقف أي وسيلة إعلامية أو حل أي حزب أو جمعية إلا بقرار قضائي. ورحبت «منظمة العفو الدولية» التي قدمت اقتراحات حول مسودة الدستور، «ببعض المواد التي اتسمت بصياغات قوية بشأن حقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية».
المصدر: الشرق الأوسط