13 في المئة من سكان إثيوبيا على حافة الموت جوعا

أكد تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي في شأن نقاط الجوع الساخنة في العالم عام 2024، أن إثيوبيا واحدة من بؤر الجوع الساخنة، إلى جانب عديد من البلدان الأفريقية الأخرى.

وأشار التقرير الأممي الجمعة الماضي إلى أن إثيوبيا تواجه حالياً أزمة غذائية حادة ناجمة عن النزاعات المسلحة والجفاف وارتفاع كلف المعيشة والكوارث الطبيعية.

ووفقاً للتقرير، سيحتاج ما يقدر بنحو 13 مليون شخص في البلاد إلى مساعدات غذائية عاجلة بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) 2024، بما في ذلك نحو 4 ملايين نازح داخلياً، معظمهم في مناطق الصومال وتيغراي وأوروميا.

وشدد التقرير على الحاجة إلى زيادة المساعدات، لمنع مزيد من تدهور الأمن الغذائي في المناطق المتضررة، مؤكداً أنه من دون زيادة المساعدات خلال هذه الفترة قد تحدث نتائج أكثر خطورة، بخاصة في المناطق الشمالية. وتشير توقعات الطقس إلى هطول أمطار عادية إلى أعلى من المعتاد في الفترة من يونيو (حزيران) إلى سبتمبر، لكن ظروفاً مناخية محتملة في وقت لاحق من العام قد تؤدي إلى هطول أمطار أقل من المتوسط، مما قد يؤثر في الإنتاج الحيواني.

إنذار المجاعة المبكر

وأوضح أنه على رغم توفر المواد الغذائية الأساسية بصورة عامة في الأسواق، فإن الأسعار المرتفعة لا تزال تحد من إمكانية حصول الأسر على الغذاء. وبلغ معدل تضخم المواد الغذائية 22.7 في المئة، والتضخم العام 19.9 في المئة خلال يونيو 2024 مقارنة بالعام السابق. ولا تزال أسعار المواد الغذائية الأساسية أعلى من متوسط العام الماضي ومتوسط الأعوام الخمسة، مما يقلل من القوة الشرائية للأسر.

وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي كانت “شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة” الدولية توقعت أن أجزاء من تيغراي وشمال شرقي أمهرة ستشهد انعدام الأمن الغذائي الطارئ في الفترة من يونيو إلى سبتمبر 2024، مع بقاء معظم المناطق في حال أزمة غذائية.

وقدرت الشبكة أن أربعة ملايين فرد في خمس مناطق في إثيوبيا كانوا معرضين لخطر الجوع الطارئ حتى منتصف عام 2024 في الأقل، في حين أبلغت السلطات في تيغراي عما يقارب 400 حال وفاة مرتبطة بالجوع في شهر واحد، بما في ذلك 25 طفلاً، معظمهم في أربع مناطق. كما أبلغ المسؤولون في إقليم أمهرة عن وفاة أكثر من 20 شخصاً بسبب المجاعة في منطقتي واغيمرا وشمال جوندار، إلى جانب خسائر في الماشية تجاوزت 85 ألف رأس.

يأتي ذلك في وقت تسعى الحكومة الإثيوبية إلى إعادة توطين النازحين من حرب تيغراي الأخيرة الذين لا يزالون يعتمدون على المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الدولية، إضافة إلى تصاعد النزاع المسلح في إقليم الأمهرة، الذي ضاعف من حدة الأوضاع الإنسانية، كما يصعب معه إيصال المساعدات إلى بؤر التوتر الساخنة.

النزاعات أس المشكلة

من جهته قال المتخصص في الشأن التيغراوي عبدالله نقاسي إن النزاعات المسلحة تمثل أس مشكلة المجاعة، موضحاً “ما لم يتم إنهاء النزاعات المشتعلة في أكثر من إقليم داخل البلاد، بشكل سلمي، فإن التفكير في تجاوز الموت جوعاً سيظل ضرباً من الخيال”.

وأضاف أن الأحوال الجوية في الموسم الزراعي الحالي تعد الأحسن منذ عقود مضت، إذ هطلت على الهضبة الحبشية كميات معتبرة من الأمطار كان بإمكانها طي أزمة ندرة المحاصيل الغذائية، لكن تمدد النزاعات المسلحة، وحال عدم الاستقرار، ونزوح أعداد كبيرة من المزارعين عن أراضيهم، حال دون زراعة مساحات شاسعة من الأراضي.

وأضاف المحلل الإثيوبي أن البيانات التي ظلت تصوغها الحكومة المركزية في أديس أبابا، والمتعلقة بندرة الغذاء كنتيجة لحالات الجفاف، لم تعد مقنعة للرأي العام الداخلي والخارجي، مشيراً إلى أن المخرج الوحيد من هذه الحال يتمثل في الانتقال إلى الحوار الوطني الشامل الذي يمثل خطوة نحو إنهاء النزاعات المسلحة بين الجيش النظامي وجماعات معارضة أضحت تسيطر على مناطق زراعية مهمة.

ويشير نقاسي إلى أن فشل الحكومات المتعاقبة في تأمين الغذاء لمواطنيها يمثل أكبر خرق للأمن القومي الإثيوبي. موضحاً أن الحديث عن تحقيق الاقتصاد الإثيوبي مؤشرات مهمة في التنمية يظل فاقداً للمعنى في ظل عدم تحقيق الأمن الغذائي للمواطن في المناطق النائية.

ويضيف أن عديداً من المنظمات الدولية المتخصصة في العون الإنساني والغذائي العاملة في إثيوبيا تشكو من تعرض مخازنها للسطو من قبل مسلحين، كما أن عدداً منها من بينها “USAID” الأميركية كانت قد علقت تقديم المساعدات نتيجة الفساد في الإدارات المحلية بخاصة في تيغراي، إذ يتم توجيه المساعدات إلى غير مستحقيها، فضلاً عن بيعها في الأسواق.

ويحذر نقاسي من نذر أزمة تلوح حتى في المدن الكبرى، إذ إن فشل الموسم الزراعي الحالي سيؤدي إلى ندرة الحبوب والمواد الغذائية الأخرى التي يعتمد عليها سكان المدن خلال الأشهر المقبلة.

وتابع المحلل الإثيوبي أن التقرير الأممي الذي أعدته كل من منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، دق ناقوس الخطر بإشارته إلى أن نحو 13 في المئة من عدد سكان إثيوبيا معرضون لخطر المجاعة، مما يعيد للأذهان صورة إثيوبيا الثمانينيات التي شهدت أكبر أزمة إنسانية حصدت أرواح مئات الآلاف من الضحايا.

ورأى نقاسي أن طي هذه الصفحة المعتمة من تاريخ إثيوبيا يتطلب تقديم تنازلات قاسية من قبل النظام والقوى المعارضة، كما يتطلب ضغوطاً دولية كبيرة بخاصة من الدول العظمى.

الفساد الإداري

بدوره يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون، أن هناك تضارباً كبيراً بين الأرقام التي تعلنها الحكومة المركزية في أديس أبابا في شأن التنمية والأمن الغذائي، وتقارير المنظمات الدولية العاملة في إثيوبيا، وذلك في ظل غياب الشفافية مع اختفاء أية جهات محلية مستقلة بإمكانها تقليص هذا التضارب من خلال إصدار تقارير دقيقة.

ويقدر غيداون أن هناك نوعاً من المبالغة في تقارير الجهتين الرسمية والدولية، ففي حين تعمل الأولى على التقليل من الأخطار والكشف عن أرقام مضخمة في مسارات التنمية وتأمين الغذاء، تشير تقارير المنظمات الدولية إلى تضخيم الأخطار بغرض توسيع أعمالها وامتيازاتها في مناطق التوتر.

ويشير المحلل الإثيوبي إلى التقارير الدولية التي صدرت خلال الفترة من 2020 إلى 2023، والتي حذرت من تعرض حياة ملايين البشر في تيغراي أوروميا والأمهرة لخطر الموت جوعاً. مضيفاً “من الواضح أن تلك التحذيرات كانت تعتمد على أرقام مضخمة ومبالغ فيها، إذ كشفت الوقائع على الأرض أن ما لا يتجاوز 400 ضحية فقط من تيغراي هم من لقوا حتفهم نتيجة الندرة الغذائية”.

ويستطرد “لا يمكن التقليل من أرقام الضحايا، لكن من الواضح أن مثل هذه التقارير تنقصها الدقة”، مشيراً إلى أن ذلك عائد إلى طريقة عمل هذه المنظمات الدولية التي غالباً ما تسعى إلى تضخيم الأخطار للحصول على موازنات طائلة لمشاريعها الإنسانية، إذ إن أكثر من 30 في المئة من تلك الموازنات تخصص لرواتب موظفيها، وفقاً لإحصاءات دولية قدمت خلال العقد الماضي، عندما كانت هناك رغبة بإصلاح عمل المنظمات والوكالات العونية التابعة للأمم المتحدة.

الخروج من النفق

يتفق غيداون مع نقاسي في طريقة إيجاد مخرج من الأزمة الإنسانية القائمة، إذ رأى أن إنهاء النزاعات المسلحة المندلعة في أكثر من إقليم إثيوبي يمثل الخطوة الأهم للخروج من نفق المجاعة. مشيراً إلى أن أمام القوى العظمى مسؤولية أخلاقية وسياسية تتمثل في دفع الأطراف المتحاربة إلى طاولة الحوار، وتوجيه موازنات الدعم الغذائي نحو مسار التنمية والسلم.

وأضاف “عوض أن تستنفر الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتخصيص موازنات طائلة من أجل توفير الغذاء فإن بإمكانها تخصيص ذلك لدعم مسار التفاوض للوصول إلى سلام مستدام، تأسيساً للمقولة الصينية (لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد)، بخاصة أن الحكومات الإثيوبية طالما اعتمدت على المعونات الأميركية والأوروبية لتوطيد حكمها، والاستمرار في السلطة، مما يعني أن الضغوط الدولية من شأنها تغيير المعادلة لصالح إنهاء النزاعات المسلحة، التي تمثل أساس أزمة الجوع”.

من جهته يضيف نقاسي أن ثمة تضارباً للمصالح بين استمرار حال عدم الاستقرار، بالتالي الأزمة الإنسانية، وبين إنهاء النزاعات، إذ إن جزءاً معتبراً من موازنة الدولة السنوية تذهب إلى مخصصات الدفاع، بما فيها ملف التسلح، إذ تعتمد إثيوبيا على عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن في شراء الأسلحة، بالتالي فإن استمرار الأزمات الداخلية يعد مصدراً مهماً لسوق السلاح الدولي.

المصدر: اندبندنت عربية