غضب شعبي في العراق بعد حزمة «إصلاحات» حكومية قاسية
أقدمت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على حزمة إجراءات؛ بدت لكثير من المراقبين وخبراء الاقتصاد، أشبه بـ«قفزة في المجهول» تلجأ إليها الحكومة في إطار سعيها لإصلاح اقتصاد البلاد المتهالك، حيث باشر البنك المركزي، أمس، عملية خفض قيمة صرف سعر الدينار العراقي أمام الدولار، لتصبح 1470 ديناراً لكل دولار بسعر بيع العملة الأجنبية للجمهور، بعد أن استقر السعر عند حدود 1119 لسنوات طويلة، مما يعني خسارة قطاع الموظفين نحو 20 في المائة من مرتباتهم التي يتقاضونها بالدينار العراقي، فضلاً عن عواقب القرار الوخيمة على الطبقات الفقيرة نتيجة ارتفاع أسعار السلع المتوقع.
ويبدو أن الأمر لا يتوقف عند حدود تغيير سعر الصرف؛ إنما يمتد ليشمل تقليل رواتب الموظفين بنسب متفاوتة وزيادة الضرائب على نطاق واسع كما تشير توقعات مشروع الموازنة العامة، في محاولة من الحكومة لمواجهة أزمتها المالية وإصلاح ما يمكن إصلاحه بعد سنوات من سوء الإدارة والتخطيط الاقتصادي.
وحيال موجة الغضب الشعبية ضد إجراءات الحكومة، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي: «أنا أول المتضررين من هذه الإجراءات، خاصة ونحن على أعتاب انتخابات برلمانية عامة، ستقوم الناس بشتمي، لكني لا أستطيع الضحك عليهم بسبب هدف وغاية انتخابية». وأضاف: «البلاد تأسست منذ عام 2003 وحتى الآن على أخطاء تهدد النظامين الاجتماعي والسياسي بالانهيار الكامل ما لم تعالج تلك الأخطاء. نحن نقوم بعملية قيصرية ونخوض مغامرة حتى لا نخضع لمعادلة الفساد السابقة. إننا بحاجة لقرارات صعبة وشجاعة، وهذا ما نحاول القيام به».
وباستثناء حالات اصطفافاف شعبية نادرة مع إجراءات الحكومة الجديدة والتزام بعض القوى السياسية الصمت حيالها، واجهت حكومة الكاظمي حملات انتقادات غير مسبوقة واتهامات بزعزعة استقرار العائلة العراقية وخفض مستواها المعيشي والتسبب في تجويعها في حالة مماثلة لحالة انهيار سعر الدينار التي حدثت عقب فرض العقوبات الدولية على العراق بعد احتلاله دولة الكويت عام 1990. وهناك دعوات واسعة للخروج في مظاهرات احتجاجية (اليوم الاثنين) لإرغام الحكومة على التراجع عن إجراءاتها، خصوصاً المتعلقة بخفض سعر صرف الدينار.
ويقول الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان إن «البنك المركزي فاجأنا بالموافقة وإقرار عملية تغيير سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي. هنالك علاجات غير رفع سعر صرف الدولار، وليس من المنطقي أن يتم تعويض الفساد والنهب من الشعب المعدم». ويرى أنطوان أن «قرار رفع الدولار يخلق تبعات في زيادة التضخم. الطبقات الفقيرة والموظفون من أصحاب الرواتب المتوسطة سيعانون ويتحملون مسؤولية القرار؛ لأنه تم سحب نحو 20 في المائة من متوسط دخلهم المحدود».
من جانبه، أعلن وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، عن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية، في إطار تدابير ستتخذها الحكومة لتعويض العواقب السلبية على الفقراء، بعد تغيير سعر الصرف. وقال علاوي في بيان إن «تغيير سعر الصرف سيساهم في تقليل العجز في الموازنة ويساعد الدولة في تحقيق التزاماتها تجاه دفع الرواتب والتقاعد ودعم الفئات الهشة في المجتمع». وأضاف أن «تغيير سعر الصرف سيساهم في تكوين فرص عمل جيدة، وأن الوزارة ستقوم بدعم المؤسسات المالية الكبرى بسعر الصرف الجديد، ونتوقع استقراره».
وفي حين يقول وزير المالية أن إجراءات الحكومة الأخيرة «مدعومة من القوى السياسية والمؤسسات المالية الدولية»، هاجم «ائتلاف النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قرار تغيير أسعار الصرف، وأعلن رفضه له. وقال في بيان: «تخفيض قيمة الدينار العراقي وتقليل دخل المواطن، لن يعالج الأزمة على المستوى المنظور، وهو حرب على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وسيفتح الباب واسعاً أمام التضخم». وأضاف أن «هذه الإجراءات واستمرار الإنفاق غير المسؤول في بيئة بيروقراطية فاسدة ومترهلة وفوضوية، ووسط تواضع البنى التحتية والخدمات التي تعتبر عماد الأنشطة الاقتصادية والصناعية والزراعية، ستؤدي إلى نتائج غير محمودة».
وكان البنك المركزي العراقي قال عقب قراره خفض قيمة الدينار في بيان: «التشوهات الهيكلية في الاقتصاد العراقي هي التي أفقرت المالية العامة وقيدت قدرة الإصلاح التي تسعى إليها الحكومة ووزارة المالية. فليس مصادفة أن يكون الوضع المالي بهذا السوء، ولا هو وليد السنة الحالية أو التي قبلها، ولكنه تأصل للأسف منذ أكثر من عقد ونصف بسبب قيادة السياسة للاقتصاد وتغليب التفكير السياسي وأولويات السياسيين على الفكر الاقتصادي وأولويات التنمية».
وعدّ حزب «الدعوة الإسلامية» الذي يتزعمه نوري المالكي، أمس، أن «إجراءات وزارة المالية والبنك المركزي بتغيير سعر صرف الدينار، تؤثر سلباً على الموظفين والفقراء وغيرهم. إن هذه السياسية الاقتصادية لن توصل البلد إلى بر الأمان، أو تفكك الأزمة الاقتصادية الخانقة».
ومن بين الدعوات النادرة المؤيدة لإجراءات الحكومة، دعا السياسي والنائب السابق مشعان الجبوري، أمس، الجهات المعارضة قرارات الحكومة بشأن سوق العملة، إلى تقديم الخطط البديلة. وكتب الجبوري في تغريدة عبر «تويتر»: «على من يعارضون القرارات الجديدة التي اتخذتها الحكومة؛ سواء تخفيض قيمة الدينار ومخصصات منتسبي الدولة، أن يقدموا خطة لإجراءات بديلة تضمن دفع الرواتب وتلبية حاجات الدولة التي لا غنى عنها». وأضاف الجبوري: «أعتقد أن الشعب يدفع ثمن تجاهله السياسات المالية الغبية للحكومات المتعاقبة والفساد الذي استشرى فيها».
المصدر: الشرق الأوسط